الذين هبطوا من السماء .....



عندما قرأت كتاب (( الذين هبطوا من السماء )) لانيس منصور .... كنت فى قمة الحيرة و التناقض .... هل حقا َ هنالك أناس يعيشون ...

فى الكواكب البعيدة .... و هبطوا علينا من السماء ؟ ..... فى ظل هذه الحيرة .... و مع متعة الكتاب الخيالية ... قلت فى سريرتى (( يا عم

اكيد الراجل ده بيخرف )) .... هل من المعقول أن هناك كائنات أخرى أكثر منا عقلانية ... و علم .... تسكن كواكب بعيدة ...

و تعيش إيضا معنا .... ؟ ...


لكننى لم أقتنع بهذا الكتاب إلا عندما عاشرت المصريين .... عندها .... أيقنت أن المصريين هم الذين هبطوا من السماء ....

نعم ....... كائنات غريبة .... لكنها ليست أكثر منا ذكاءا بل أكثر تخلفا و انحطاطا ... كائنات حلزونية تعيش متنكرة فى أزياء بشر ...


المصريون هم المخلوقات البشرية الوحيدة القابلة للترويض ..... يعنى تضربهم يحترموك .... ترخى لهم غارب الحياة .... يخونوك ...

_ ليه حق بقى اللى يديكوا على دماغكم _ و يسبوا و يلعنوا الظالم و إذا مر عليهم قبلوا أياديه ... سبحان الله


_ فى ظل الغلاء العميق الذى تعانى منه الأمة المصرية ..... يعيش الناس كما هم .... لا جديد .... كأنه لم

يطولهم بأسه و لم تخدشهم أظافره المسنونة .... أين المصريين من موقف الغلاء .... لا شئ ..... كأنهم يبغونه و

يستلذون الحياة الصعبة ...


فصار المواطن المصرى يبذل مجهود خرافى يفوق قدرة البشر كى يستطيع الحياة .... لذلك

تطورت قدراته العضلية والقكرية .... و أصبح من الكائنات الفضائية ....


عظيمة يا مصر ...... الجزء الثانى


..... الختم الثانى ............................ ( أبى ..... الراحل دائما ... )


بعد أن استقريت فى مصر , بعد مضى أكثر من إحدى عشر عاما من عمرى فى الخارج ....

من الضرورى ان تحدث تغيرات جذرية فى حياتى ..... و من هذه التغيرات ... الجذرية .... هو حتمية البعد عن أبى ... بموجب عمله فى الخارج

كان فى بداية الأمر كان فى غاية الصعوبة .... لكننى فى زحمة الحياة سرعان ما تناسيت ... لكن يبقى الحال هو الحال ...


أبى ليس معى ........ بمعنى آخر .... نصفى تخلى عن نصفى ....

...... أذكر اليوم الذى ودعنى فيه أبى فى المطار ..... كان قبلها قد أوصانى بالوصايا العشر .... (( خد بالك من كذا .... و من كذاا ... انت راجل البيت دلوقتى .... أخواتك .... و هكذا .... )) .... و عند الوداع .... سقطت منى دمعة واحدة ... لكنها أغرقت عينى ...

كَبت مشاعرى و ذهبت بعدها إلى كرسى إنتظار الطائرة ... تاركا ورائى ذكريات إحدى عشر عاما ....

ركبت الطائرة .... حاملاَ معى أحلام يقظة عن بلادى الجديدة التى سوف اتعرف على ملامحها ..... و كنت فى شدة التساؤل والحيرة ...

هل حقاَ الناس فى مصر .... مثلى ... ؟ ... هل حقا لهم نفس الصورة الجميلة التى فى خيالى ... ؟

الصورة التى من ملامحها الاساسية ... الجدعنة والمروءة والحب والأهل الجدعان اللى يقفوا معاك .....

المهم ....
.... وصلت الطائرة بسلام و مع أول لمسة لعجلات الطائرة لارض المطار أرتجف فؤادى و تأهبت عينى لرؤية بلادى

... كان عمى منتظرا فى صالة الانتظار ... عندما رأيته ... شعرت ان جزء من أبى ما زال على أرض الوطن ... ربما للشبه الكبير الذى يجمعهم ... أو ربما لاحساسى العميق بحاجتى للابوة التى أريد ان استمدها من ملامحه ...


المهم .... دخلنا منزلنا و جلسنا على الصالون مستريحين من عناء السفر ..... و لكنى كنت انظر إلى هذا الكرسى الخالى فى آخر الصالون

كأننى أرى أبى عليه جالسا ... رغم ان الجميع من حولى كانوا مبتسمين إلا اننى كنت نصف مبتسم ... و كأن شوقى لبلدى قد قتله شوقى لابى ...

فهل رجوعى لموطنى يكون بمقابل ألا أرى ابى ..... ؟ فهل هذه هى ضريبة الرجوع ......... ؟

لا أعلم .......












عظيمة يا مصر ..... الجزء الاول



إذا نظرت لوجهى وقوامى الهزيل , لرأيت ختم الجمهورية مطبوعا على جبينى ....

أجل ... ستراه .... لكن دقق النظر جيدا ....

فقبل أن تخطو قدماى ثرى مصر _ أى منذ سبعة أعوام تقريبا _ كنت أقطن إحدى بلاد البترول

حيث الرفاهية .... المطلقة .... والحياة السهلة ... تحت حرارة المناخ التى قد تصل إلى الخمسين ...

فكان قوامى ممشوق و جسمى يميل إلى التخمة .... و كنت تلميذا فى المدرسة المصرية للغات

و ما أدراك ما تلك المدرسة _ التى ترعاها السفارة المصرية ذاتها _ من نظام و بنية تحتية تكاد تقارب البنية التحتية لأفخم الجامعات

الخاصة بمصر ..... ما علينا ..... تعلمت بها أفضل التعليم و التهذيب و الأخلاق ..... حتى كانت لى البيت الثانى و الاخير الذى ربى فى ّ

_ رغم اننى بعيد عنه_ حبى لوطنى الذى لم اراه إطلاقا إلا مكتوبا على جواز سفرى ...


عندما وطأت أرض مصر أحسست أننى الابن المسافر الذى عاد بعد طول غياب لاحضان أمه العجوز ... من الوهلة الاولى التى رأيت فيها

شوارع القاهرة من نافذة السيارة و انا فى طريقى من المطار شعرت اننى سافرت إلى أرض غريبة و أناس مختلفة فى الشكل و السلوك ...

ما علينا ....


فى أول يوم لى على أرض المحروسة ..... ذهبت إلى بيت جدتى .... و طبعا طبعا الغدا عندها كان من أشهى ما يكون من صنوف الطعام ....

و فى وجبة العشاء قررت الاسرة الكريمة .... ان يأكلوا كشرى كنوع من التجديد ..... أكلنا الكشرى .... و طبعا تانى يوم كان عندى

كبد وبائى .... و قعدت شهر مبكلش ..... و خسيت جدا جدا .........

و ده كان أول ختم خدته من مصر من اول يوم .....

فعلا

عظيمة يا مصر يا أرض النعم ....

مذكرات طفل كبير




مدونتى ليست إلا نقل للبصمة التى خلفتها
مصر فى نفسى
و فى عقيدتى الفكرية

فما هى إلا صورة شعورية
و حسية و قراءة فى ملامح
بلدى التى لم أولد بها ....